كتب محمد شهزيب حسن أن الطائرات الإسرائيلية تحلّق يوميًا فوق جنوب سوريا بينما تتحرك قنوات دبلوماسية خلف الكواليس في عواصم قريبة. يجمع هذا النهج بين الضربات العسكرية بدعوى الردع وبين محاولات التفاهم عبر الوساطات، وهو تناقض يجمع القسر والتعاون في وقت واحد. السؤال المحوري: هل يفتح هذا المزج بابًا نحو سلام حقيقي أم يخلق وهمًا يخفي استمرار الصراع؟
أوضحت ميدل إيست مونيتور أن العلاقة بين تل أبيب ودمشق تحمل تاريخًا طويلًا من الحروب، أبرزها أعوام 1948 و1967 و1973، دون أن تُتوّج باتفاق سلام شامل. اكتفت الدولتان بوقف إطلاق نار أو اتفاقيات فصل قوات مثل اتفاق 1974 الذي أنشأ منطقة منزوعة السلاح في الجولان لكنه لم يلغِ الاحتلال. ظلّ الوضع معلقًا نصف قرن، ومع كل توتر تتجدّد المواجهة بشكل محدود.
وسط هذا الإرث المعقّد برزت بداية تقارب غير معلن، حيث ساعدت الإمارات على فتح محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا مطلع 2024. هذه اللقاءات تركّز على قضايا تقنية مثل ضبط الحدود وإخراج الجماعات المسلحة. وأقرّ الرئيس السوري أحمد الشرع بهذه المفاوضات غير المباشرة مؤكّدًا أنها تهدف إلى خفض التوتر ومنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة.
لكن القصف لم يتوقف. فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية أخيرًا قافلة قرب القصر الرئاسي في دمشق، واعتبرت إسرائيل ذلك رسالة واضحة ضد الوجود الإيراني والميليشيات المتحالفة معه. وأكد مسؤولون أن هذه الضربات جزء من سياسة الردع، في حين عبّروا في الوقت نفسه عن استعداد للحوار مع دمشق.
اختارت القيادة السورية لهجة هادئة لكنها متمسكة بالمبادئ. فقد أكد الشرع تمسك بلاده بخطوط اتفاق 1974 واتهم إسرائيل بانتهاك تلك التفاهمات خلال الحرب السورية. كما شدّد على أن أي تهدئة حقيقية تستلزم إنهاء الاحتلال في الجولان، معلنًا أن دمشق مستعدة لمنع استخدام أراضيها منطلقًا لتهديد أي طرف بما في ذلك إسرائيل.
تبدو الاستراتيجية الإسرائيلية أقرب إلى دبلوماسية قسرية، حيث تستخدم القوة العسكرية لترسيم خطوط حمراء، ثم تلوّح بإمكانية تخفيف الضغوط إذا استجابت دمشق لشروطها، خصوصًا إخراج الحرس الثوري الإيراني وحزب الله من الجنوب. هذا النمط يذكّر بأساليب الحرب الباردة حين كانت القوى الكبرى تتفاوض على ضبط التسلح بينما تستعرض قوتها في الميدان.
يبقى السؤال: هل يمكن لهذا النهج أن يخلق استقرارًا حقيقيًا؟ التجربة التاريخية تشير إلى أن النزاعات العميقة لا تنتهي بمجرد إجراءات مؤقتة. فدمشق تطالب باستعادة الجولان، وتل أبيب تخشى أي تنازل قد يقوّي نفوذ إيران. في المقابل، يأمل بعض الواقعيين في صياغة تفاهمات مرحلية، وقد ظهرت مؤشرات محدودة على تقدم، مثل استعداد سوريا لضبط بعض الجماعات المسلحة مقابل تخفيف وتيرة الضربات. لكن هذه الترتيبات هشة وقابلة للانهيار عند أول خطأ أو هجوم عرضي.
تكشف دراسات حل النزاعات أن المفاوضات تحت النار تواجه دائمًا خطر الانهيار. غارة توقع ضحايا مدنيين قد تفجّر المفاوضات، أو هجوم لمجموعة مسلحة ضد إسرائيل قد يدفعها لوقف الحوار والعودة إلى التصعيد. لذلك يبقى هذا التوازن أشبه بالسير على حبل مشدود؛ لا حرب شاملة ولا سلام راسخ.
تحمل هذه المقاربة أيضًا تداعيات إقليمية. فنجاحها قد يوفّر للإمارات والولايات المتحدة إنجازًا دبلوماسيًا يعزز استقرار المنطقة، ويعزل إيران عن حدود إسرائيل. غير أن نظريات أخرى تشكك في إمكانية تحقيق ثقة متبادلة: فالهويات والصراعات التاريخية، مثل مطالبة دمشق الدائمة بالجولان، تجعل أي تفاهم تقني محدود الأثر.
يرى بعض المحللين أن هذه التجربة قد تؤسس لنموذج جديد يعتمد ترتيبات أمنية جزئية دون معاهدات شاملة. وإذا فشلت، ستؤكد مجددًا أن السلام في الشرق الأوسط يحتاج حلولًا سياسية عميقة لا مجرد هدنة تحت القصف.
في النهاية، تعكس مفارقة الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا حقيقة صعبة: لا يمكن للقصف أن يخلق سلامًا دائمًا. من دون معالجة القضايا الجوهرية وعلى رأسها الاحتلال في الجولان، ستبقى أي تسوية مؤقتة هشة وقابلة للانفجار مع أول أزمة جديدة. هذه الحقيقة تطرح سؤالًا مقلقًا: هل ينتج الأمن من هذا التوازن المربك أم ينفجر في أي لحظة ليعيد الصراع إلى نقطة الصفر؟
https://www.middleeastmonitor.com/20250901-can-you-bomb-your-way-to-peace-the-paradox-of-israels-syria-strategy/